في تحقيق نشرته مجلة تايمز الأمريكيةعام عام 2009، حول التحرش بالنساء ومدى ذروته في البلاد العربية ، واعتمادا على إحصائيات أجرتها منظمات مهتمة بحقوق المرأة ، تبين أن نسبة التي يتعرضن للتحرش الجنسي في اليمن تصل إلى 90% بينما تصل هذه النسبة في مصر إلى 83% أما في لبنان فإنها تصل إلى 30 % فقط .التحرش الجنسي كما هو معروف ظاهرة عامة منتشرة في مجتمعات المنظمة المختلفة؛ ما لفت نظري في هذا السياق هو تلك العلاقة العكسية بين مدى التزام النساء بالملابس المحافظة من ناحية وتعرضهن للتحرش من ناحية أخرى..! فمعدلات التحرش – كما ترى- تصل إلى أقصاها في اليمن الذي ترتدي كل نسائه العباءات السوداء ، والتي يغطي أغلبهن وجوههن أيضا ، وينخفض معدل التحرش في مصر التي ترتدي أغلب المسلمات من بناتها وسيداتها الحجاب المصري الأقل محافظة بالإضافة إلى نسبة متزايدة من المنقبات، ومعدل التحرش يصل إلى أدنى مستوياته في لبنان ، الذي تتسم ملابس نسبة كبيرة من نسائه بدرجة أعلى من التحرر حتى أنه يمكن القول بأن الأقلية فقط من بين نساء وبنات لبنان يلتزمن بالحجاب خاصة في بيروت العاصمة والمدن الرئيسية الأخرى .
ومؤكد أن معدل التحرش بالنساء في بلادنا جزر القمر قد يصل إلي 95% لدرجة أن نسبة الأنكحة الفاسدة قد وصلت إلى حد يعف اللسان عن ذكر الإحصائيات التي أجريت عام 2010 من شاهد أهلها !
على كل فإن هذه البيانات تتحدى الحكمة الشائعة التي تربط بين الأزياء المحافظة من ناحية ومعدلات التحرش من ناحية أخرى ، وهي الحجة التي يستند إليها دعاة الفساد ، من الذين ينكلون في كل وقت وحين بالحجاب والنقاب وما شابه ذلك من الملابس التي فيها من الحماية والرعاية لجسد المرأة ، زاعمين أن الأمر كما يبدو – عكس ذلك تماما..
و على الرغم من أنني لا أنادي بسفرية المرأة ولا أتذمر البتة من ارتدائها بالنقاب لكن من واجبنا أيضا أن ندرس هذه القضية بموضوعية أكثر دقة ووضوحا ، ذلك لأن العلاقة بين الملابس والحماية ليست علاقة سهلة بسيطة كما قد يصورها كثير من دعاة الحجاب والنقاب، فضحايا التحرش – كما تبينت من الخبرة التي نعرفها في جزر القمر وكما جاء في التقرير المشار إليه في بداية المقال- يشملن السافرات من مرتديات الملابس العصرية ، كما تشملن المحجبات والمنقبات أيضا.
ومن هنا يثور السؤال الغريب هل إن ارتداء المرأة بالحجاب سبب مباشر من أسباب تعرضها للمضايقات والتحرشات الجنسية..الجواب لا بالقطع ! …
لأن في بلادنا جزر القمر الإسلامية تلبس معظم نسائها بالزي القمري الذي لا يمس بالنقاب من شيئ و لو تم اجراء تحقيق مفصل حول نسبة المضايقات والتحرشات الجنسية في البلاد لوجد أنها تفوق اليمن وغيره من بلدان العالم الثالث..!
في الـ11 من مارس 2012 اتصل صديق ليطمئن على اخته ودراستها بالجامعة القمرية فإذا بها تنهار بالبكاء راجية من أخيها سرعة التوصل الى الأهل لإقتراح سفرها إلى الخارج للدراسة وإلا فليس هناك مناص من دراستها الجامعية في البلاد وذلك لما يجري معها من تحرش فاضح ومشروع من المراكز التعليمية في البلاد ..!
كانت الشابة المحتشمة بالحجاب- على غير عادة بنات هذا العصر في البلاد- قد توجهت إلى المسؤولين بالكلية أو من يفترض أن يهمهم الأمر لكن نصيحتهم كانت واضحة .. :” وافقي ما يريدون وإلا لن تخرجي من هذه الجامعة بشيئ !! …أي انسى الشرف والكرامة من أجل شهادة كرتون ..في الواقع لن تشتغل بها أصلا قبل أن تتحلل نفسك عن كل قيود الكرامة والحياء .. !!
وفي فرنسا التي تتسق بالحرية والثقافة المطلقة وبناء على القصص التي سمعناها فإن رجال الشرطة الفرنسية يتحرشون بمعنى الكلمة عن كل سيدة محجبة وأي شخص يحمل ملامح عربية او اسلامية ..في مطار شارل ديجول وبقية المطارات الفرنسية يكمن رجال الشرطة الفرنسيون في كل مكان وما أن يلمحوا نساء محجبات أورجالا عربا حتى ينقضوا عليهم وكأنهم ضبطوهم متلبسين بجرم ..وهكذا في كثير من البلدان الأروبية والأجنبية
ولنا أن ننظر إلى هذه القضية في اتجاهين متناقضين الأول على اعتبار أن الهدف من كل هذه الإجراءات الإستفزازية هو اجبار بنات المسلمين على انكار ذاتهن وثقافتهن الإسلامية حيث يكمن رجال الشرطة في الغرب على مضايقات المحجبات من المسلمات واضطهادهن ليتخلصن من الملابس الإسلامية فإذا كان الأمر كذلك من رجال الشرطة فماذا ننتظر من عامة الناس ؟!! … ومن هنا لا ينبغي أن يستغرب أحد عندما قرر الرئيس الفرنسي سركوزي حظر ارتداء الحجاب في المدارس الحكومية بفرنسا..فالرجل معروف بسياسته العنصرية مع العرب والمسلمين منذ أن كان وزيرا لداخلية فرنسا ..والهدف منه ببساطة مضايقات العرب والمسلمين حتى يتخلو عن قيمهم الدينية واستشعارهم انهم غير مرغوبين في فرنسا حتى يخرجوا منها ولا يفكرون بالعودة مرة اخرى …والأخس من ذلك أن العدوى قد انخرى على الجميع حتى في المراكز والمستشفيات الفرنسية !
إن بعض المرضى الفرنسيين يرفضون بشدة أن تتولى علاجهم طبيبة عربية محجبة …وإن محجبة مسلمة تروي أن جيرانها يرفضون الحديث معها ..وقالت ثالثة إنها في مكان عملها تجبرها المديرة على خلع الحجاب قبل أن تمارس العمل .. وهو أمر عادي جدا في أروبا !
في أربعة أغسطس عام 2008 قام شاب ألماني بتوجيه شتائم إلى مواطنة مصرية ناعتا إياها بالارهابية لأنها ترتدي الحجاب، مما اضطرها للتوجه الى القضاء الذى اصدر لصالحها حكما بغرامة مالية قدرها 2800 يورو
وقدم الجاني طلبا لاستئناف القضية واثناء جلسة الاستئناف قام المتهم بطعن المواطنة المصرية 18 طعنة بالسكين فأرداها قتيلة وهى حامل بالشهر الثالث، واصاب ابنها ، كما أصاب زوجها بجروح خطيرة وعندما تماثلت الشرطة المتواجدة بساحة المحكمة السيطرة على الجاني اطلقت رصاصة اصابت الزوج هوالأخر .
وأمثلة ذلك كثيرة في دول الغرب ..والهدف من ذلك واضح وهو العنصرية العاتمة التي يكتسبها الشعوب الغربية من حكومتها التي تعكف دائما على ازدراء الدين الإسلامي وكل من يهتم بقيمه وثقافته ..
وقد يبالغون بالأمر إلى حد التطرف والإرهابية لأبعاد يعرفها الجميع…وحدث عنها كما شئت في أفغانستان و طجستان وجزيرة مايوت القمرية الإسلامية .. ..ثم إنهم يزعمون بأروبا الحرية وأية حرية من منع ارتداء انسان ما يعجبه من ملابس وعدمه ..
لكن من الإنصاف جدا أن أؤكد أن هذا هو الجانب المظلم من الصورة الأوروبية على المسلمين لاسيما فرنسا التي لديها جوانب مشرقة ومضيئة كثيرة وأن المجتمع الفرنسي بالذات مجمتع راق جدا في ثقافته وكرامته وتفهمه لموقف حكوماته ولست أنا من يقر بذلك وحدي وقد أقره الجميع من قبلي ..
نعود إلى محور قضيتنا ونقول أن ظاهرة التحرش الجنسي في الدول الإسلامية والعربية وهو الإتجاه الثاني من رؤيتنا لا يحتاج إلى استطراد في بيان غلوها ..فالإحصائيات التي استعرضتها في بداية المقال لشاهدة عدل على هذا السياق .. لكن الأغرب من ذلك أن نعتمد على هذه الإحتفالية الديكورية لكل عام من مارس اقتداءا بمجتمع يحظى بناته باحترام كامل لشخصيتهن وكرامتها …فكما ترون أن قضية حرية المرأة الإسلامية أو العربية في عصر التناقظ الخطابي نسيج من بيت العنكبوت.. !!
ثم إننا نتسائل بعض الاحيان عن سبب تأخر المسلمين وتردي أوضاعهم في الوحل ..يقول سقراط (( إذا أردت أن تعرف مدى تقدم مجتمع فانظر إلى وضع المرأة. فالأم مـدرسـة إذا أعـددتـها أعـددت شـعـباً طـيـب الأعـراق..أحمد شوقي .
إن أكثر ما يثير التشائم والإشتمأزاز في بلادنا جزر القمر الإسلامية ، بحق– أن تخرس الألسنة الداعية إلى الخير والإصلاح عن وضع حد للمضايقات التي يتعرض لها المرأة القمرية من البيت والعمل والمراكز الحكومية أو التعليمية المختلفة .. ومن هنا لا ينبغي ما يحدث هذه الأيام من اغتصاب وقتل وسحل وتشريد أن يثير في الحقيقة اي استغراب أو تنحر ذلك لأنها نتيجة للتطور الهراركي في فساد الأخلاق واقترانها -كما يبدو – بالنهضة الوطنية التي يستعد لها البعض بثورتهم البغيضة ! – لكن أليس ذلك سبب مباشر من أسباب هذا التراجع المرير الذي نجده في بلادنا ؟
لا أريد أن أقول أن التخلص من هذا الوباء يعني خروج بلادنا عن قمع الفقر الذي يعيشها ولكن قد يكون واحدة من أهم أسباب التقدم والازدهار؛ فليس من المعقول أن نترك الأمر هكذا سداح مداح ليبدو كأن بلادنا خالي من أهل الرشد والإصلاح وكأن فيها ليس إلا مجموعة من قطاع الطرق هربوا من واقعهم المزري…! كلا وإنهالجملة إعتراضات بالجملة..؛!
أين المحاكم المختصة بشئون المجتمع القمري و صوتها في معالجة هذه الواقعة الأليمة إذ أنه ليس معقولا أن تكون المرأة القمرية هكذا بلا قيمة يذكر – في حين أن عقوبة الاغتصاب – أو تهمة ممارسة الجنس مع القاصرة في فرنسا قد تتجاوز في السجن المشدد عشرين عاما ؟!!
، إنني لا أجد سببا حقيقيا قد يشحن عزائم المواطنين نحو النهضة الوطنية الشاملة ما لم تتحرك أصوات المصلحين لمعرفة حقيقية ما يجري في وطننا العزيز فربما هناك ما هو أكثر من مجرد فساد أخلاق !!!
إن ما أكثر ما يثير الذعر في نفسي والهواجيس هو أن معظم الجرائم الاغتصابية التي ترتكب في بلادنا ليل نهار يرجع معظم ضحياتها البنات التي لما تتجاوز عمرها الخامسة عشر سنة تقريبا، وأن معظم المتهمين فيها هم الذين تعدو الخامسة والثلاثين من العمر ، فيا حابل اذكر حلا ..!
وربما على الحكومة القمرية أن تقوم بمراقبة الأشياء المستوردة من الخارج لأن هناك شيئ غامض يثير في عقول القمريين أسئلة خطيرة…وعلى الوزارة التعليمية أن تلقي نظرة فاحصة حول مناهج التعليم التي لا تمس بالتاريخ أو الثقافة القمرية بشيئ ..وعلى الدعاة والمختصين أن يبينوا للناس الغاية من العبادات والمعاملات الإسلامية ..وعلى الإعلام القمري الحر بحق أن يظهر هذه المفاسد التي يتعايش عليه الجميع ولا يكتفي بجولات الحكومة ورغباتها …إلخ فمن الممكن جدا أن نعرف العلاج الحقيقي وراء ما نعانيه ومجتمعنا ليل نهار .
وفي نهاية القضية أقول : هناك شيئ غامض في الثقافة القمرية أو في النفس الإنسانية ، يجعل محافظة المرأة على شرفها سببا للتحرش وليس العكس ، وإن كليهما نتيجة لظاهرة واحدة تدفع النساء لتغطية أجسادهن ، بينما تدفع الرجال للاستهانة بالمرأة وعدم التردد في تعريضها للمضايقة ، وربما كان ذلك كله ناتجا عن تدهور في الآداب والأخلاق العامة إلى درجة جعلت التطاول على النساء جزءا من الثقافة الدبلوماسية في مفهوم العولمة الأروبية ..!! أو أن كل ذلك يحدث بسبب تراجع الدولة عن توفير الأمن والحماية للنساء في شوارع المدن والقرى العربية والإسلامية وعدم التزام المسلمين بالديمقراطية الإسلامية الحقة فالديمقراطية بصراحة هي الحل .