بقلم: علي حسين –
العمود الثامن : محافظ بغداد يراهن على جزر القمر !
ليس صحيحا أن الحياة في بغداد خلال أيام القمة العربية، كانت عابسة وقاتمة بسبب غلق الشوارع والتضييق على حركة الناس، وقطع الاتصالات لثلاثة أيام متواصلة، فهناك أيضا جوانب مضحكة كثيرة، بل وكوميدية، ولمن لا يصدق عليه مطالعة الخبر الذي نشره موقع السومرية نيوز أمس وجاء فيه أن محافظ بغداد صلاح عبد الرزاق وقع مذكرة تفاهم مع جمهورية جزر القمر، والهدف من هذه الاتفاقية التاريخية كما يخبرنا السيد المحافظ هو “لتعزيز التعاون الثقافي والاجتماعي والشبابي والقضايا التي تخص المرأة وبما يخدم أهالي بغداد”.
وربما نختلف أو نتفق مع السيد المحافظ، لكن علينا مع هذه اللفتة المتميزة أن نؤمن بأن الرجل يتمتع بروح الفكاهة والدعابة، إضافة إلى صفة الإصرار وعدم اليأس والدليل على ذلك أنه لا يزال يقسم بأغلظ الأيمان أن الحل في تطوير بغداد وانتشالها من حالة البؤس والقتامة، هو في نقل التجربة العظيمة في مجال العمران والثقافة والتنمية والتعليم في واحدة من اكبر مدن العالم تطورا وازدهارا واعني بها دولة جزر القمر، وحتى لا يتهمني البعض بالسخرية من دولة عربية شقيقة فأنني أحيل القارئ إلى تقرير منظمة اليونيسيف حول أحوال التعليم في هذه الجزر، يقول التقرير إن “قرابة 40 في المئة من جميع الأطفال يعانون نقصا في الوزن وحالة من التقزم. بسبب سوء التغذية، وغالباً ما يصاب سكان هذه الجزر بأمراض الإسهال الحاد بسبب المياه غير الصالحة للشرب وسوء حالة المرافق الصحية”.
ويضيف التقرير أن ثلاثة أرباع السكان لا تتوفر لهم فرص للتعليم بسبب نقص المدارس، أما تقرير الأمم المتحدة فيضع جزر القمر في الدول الأكثر فقرا وبؤسا حيث ان معدل دخل الفرد العامل لا يتجاوز 50 دولارا شهريا وهي بلاد تعتمد في اقتصادها على الصيد، فيما تقول منظمة اليونسكو إنها من البلدان التي تفتقر إلى بنية ثقافية حيث لا توجد فيها مسارح ولا دور سينما وهناك مكتبة وحيدة تبيع الكتب الدينية، أما في مجال الصحافة فتملك صحيفة وحيدة، فيما هناك صحيفتان محليتان.. طبعا هذه المعلومات لا اريد منها الاساءة لهذه البلاد التي ابتليت بأنها فقيرة وبلا ثروات طبيعية، فيما ابتلينا نحن بتضخم الثروات يرافقه قصور مزمن في تفكير العديد من السياسيين والمسؤولين حيث ان الكثير منهم مقتنع ان خداع الناس جزء لا يتجزأ من عملية ممارسة السياسة، وهو اعتقاد يؤمن أصحابه بان المواطن ينسى بسرعة وعندما يكتشف الخديعة، يتم تحضير خديعة جديدة له، وهكذا.
لقد بات واضحا إن كثيراً من مشاكل اهالي بغداد تكمن في الخلل الذي يعاني منه مجلس المحافظة بأكمله والذي أنتج أداءً حكوميا فاشلا.
لا أريد أن أفرط في ذكر الأمثلة، بينما الأجواء السياسية محتقنة، ولكن لابد أن نكون صريحين ونعترف أن هذا المجلس لم يؤد دوره الحقيقي في خدمة مواطنيه وانشغل بأمور لا تخص عمل المحافظة، بل إن قنوات تواصل حية بين المحافظة والناس والناس أو غير موجودة أصلا.
لنأخذ مثلا موضوع الخدمات فقد رصدت ميزانيات ضخمة لمعالجة هذه المشكلة ولم يشعر المواطن بتحسن، وملفات الفساد التي تعشش في أروقة المجلس، والقائمة تطول لمسؤولين أصبحوا أشبه “بخيال مآته” بالنسبة للمواطن، وفي الوقت نفسه تحولت بغداد إلى “مقاطعة” سجلت “طابو” باسم المحافظ ورئيس مجلس المحافظة والمحسوبين عليهم.
الناس تريد مسؤولين لديهم القدرة على الابتكار، مسؤولين منشغلين بهموم المواطن أكثر من انشغالهم بأنفسهم وبالذين يدورون حولهم، محافظين متواجدين بصفة مستمرة بين الناس، لأنهم العنوان الأقرب للحكومة، رؤساء مجالس محافظات يعرفون معنى العمل المهني و يتفهمون طبيعة المحافظة التي يعملون فيها، لا محافظين يختبئون وقت الأزمات وان فتح الله عليهم ونطقوا ا، فالحديث سيكون عن الاستفادة من النهضة العلمية والتكنولوجية لدولة جزر القمر.
لو جاز لي نصح محافظ بغداد لقلت له: “اذا بليتم فاستتروا”.