اتباع الهوى في نصرة رسول الله (ص)، خطر يهدد نتائج الثورات العربية
إن أكثر ما يميز الانسان ليست الأحداث التي تحدث في حياته، بل تأثير هذه الأحداث في وعيه، هذا ما علمتني الحياة.
يمر بالمرء في طول مراحل حياته أحداث كثيرة لكن ما يبقى في ذهنه وذاكرته هي تلك التي أثرت فيه وأشعلت مشاعره ولهذا – حسب اعتقادي – قد يتذكر الانسان حادثة عاشها في طفولته بكل تفاصيلها بينما ينسى أحداث كثيرة عاشها في ريعان شبابه.إن الأحداث التي يعيشها العالم في هذه الفترة العصيبة تجبر المرء على اعادة الذاكرة إلى الوراء للتفكير بالأحداث المماثلة التي سبقت وأشعلت مشاعرنا وأثرت إلى حد كبير في نمط حياتنا.
في الأمس القريب أي قبل ثورات الربيع العربي بالتحديد كان الاعلام متركزا بشكل كبير على الأزمة الاقتصادية التي كانت ولم يزل يمر به العالم. وهي – أي الأزمة الاقتصادية – كانت وراء السبب الرئيسي الذي أشعلت الثورة في تونس بعد اعتراض الـ بو عزيزي على القمع التي تعرض له ومصادرة عربته التي كان يترزق بواسطته.
إذا كان الدافع وراء الثورات العربية هي معارضة القمع والاستبداد وسوء المعيشة، فإن المنطق السليم تجعل من المشكلة الاقتصادية القضية الأكثر أهمية التي يجب تداولها بعد الثورات العربية لضمان تحقيق النتائج التي من أجلها كانت الثورة، ألا وهي تحسين حياة المواطنين. لكن الناظر في حقيقة الأمر يجد أن الاعلام العربي يهتم أكثر وأكثر في القوى التي ستتسلم السلطة بعد الأنظمة الزائلة ولا شك أن هذا أمر لا بد منه، إلا أن القلق ليس في أصل الاهتمام فحسب بل من الزاوية التي ينظر بها الاعلام إلى هذه القوى. ففي وقت يجب أن تكون التفاضل بين هذه القوى هي الحلول الاقتصادية التي تقدمها وقدراتها على تحقيق ما تعد به، فإن الاعلام يهتم عن المعتقدات الدينية للأحزاب وكأن تولية شيخ سني الرياسة يكفي لحل المشاكل الاقتصادية أو أن تولية زعيم علماني تعني تحويل أمة بأكملها إلى العلمانية.
من المسلمات التي لا تقبل الجدل هي أن تكون عقيدة رئيس أي دولة اسلامية هي الاسلام، لكن كم هم كثير هؤلاء الذين يلبسون الطابع الاسلامي لتحقيق مصالح شخصية وكم هم كثير هؤلاء الذين أتوا إلى الحكم بدرع الوطنية والقومية !! متى تتعلم الشعوب العربية أن ليس كل من ربى لحية بنبي وأن ليس كل من حلقها بشيطان ماكر ؟
لماذا على العربي أن يتصرف دائما طبقا لعواطفه وأهوائه !!
منذ زمن طويل والاستبداد يهيمن على الوطن العربي، لكن مع ذلك ظل العربي يصرخ مؤيدا تلك الأنظمة كلما داعب زعمائه روحه القومية. ثم في الأمس القريب صُفع البو عزيزي فعزَّت ذلك عليه فأتبع نفسه هواه وأشعل النار على نفسه، فهزت عواطف أهله واشتاطوا غضبا فتبعهم أهالي سيدي بو زيد في الاحتجاج ثم انتشر الخبر انتشار النار في الهشيم فهز العواطف فكان الثورات وأطيحت بأنظمة وسقطت رؤوس الظلم والاستبداد، لكن ما ذا بعد ؟ ؟ ؟
الحقيقة أن العاطفة التي حركت أهل تونس ومصر وليبيا كانت ايجابيا في ذلك الوقت وقد أدى إلى نتائج نبيلة بعد أن أخذت تلك العاطفة طابع نبيل لكن هذا لا يجل من التصرف بالعاطفة والهوى أمر نبيل.
ان الهوى يكاد يطيح بالنتائج التي يسعى إليها الثوار فبين مؤيد شيخ لأنه ربى لحية أو مؤيد زعيم علماني لأنه يدعوا إلى جعل الدين في زاوية والدولة في زاوية أخرى.
مع أني أتحدث إلى العربي بشكل عام، لا يمنع أن أرسل رسالة خاصة إلى ذلك العربي المسلم الذي يغلب عليه عاطفة الدين وأقول له أن ذلك الفيلم المسيء للنبي صلى الله عليه وسلم لا يجب أن يحرك العاطفة دون العقل بل العكس أصلح.
كثيرون لم يشاهدوا ذلك الفيلم ولم يسمعوا كثيرا عنه لكن كفاهم أن قيل لهم أنه مسيئ للنبي صلى الله عليه وسلم، فاهتز مشاعرهم وأبدانهم وانطلقوا في الطرقات متظاهرين معارضين متأججين لكن ضد من ؟ أمريكا وإسرائيل والدول الغربية – طبعا حسب الشعارات التي رفعها هؤلاء.
من الهمجية التظاهر ضد تلك الدول قبل التحقق من المصدر التي أنتجت ذلك الفيلم. فلا العقل تقبل بذلك ولا شرعنا الحنيف، بل فقط الهوى واتباع النفس يمكنها قبول ذلك، انطلاقا من عدم الموافقة على سياسات تلك الدول مع الدول العربية والاسلامية.
إن المظاهرات التي انطلقت دفاعا عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم هي أشبه ما يكون بقول حق أريد به باطل، فهي ان لم يظلل مسيرة الثورة ويدخلها في خلافات دينية ومذهبية – نحن في غنى عنه -فإنها لا يأمن أن توجه وسائل الاعلام نحو الحديث عنه بدلا من الحديث عن أوضاع الثورة ومدى تحقق نتائجها وبالتالي اشغال الشعب وإتاحة الفرصة للمندسين ليظللوا نتائج الثورة.
لذا من العقل أن يتصرف الجميع بالعقل والفكر فسواء كنت من المتعصبين للدين فإنك تعلم أن اتباع الهوى ليس منهي عنه فقط في أمور الدين أو كنت من مؤيدي التفريق بين الدين والدولة فيجب أن تعلم أن أكبر استدلالكم هو العقل.
من هذا المنطلق أدع كل ذي فكر وعقل أن يستخدمهما ولا يجعل من العاطفة والهوى دليلا فيضر نفسه قبل الآخرين.